موضوع جميل .. جديد لكن جذوره قديمة
نعم ، قرأنا عنه كثيرا قبل سنوات طويلة ثم انقطعت أخباره
بعيدا عن تجارب الباحثين وبحوث الأكاديميين أسوق إليكم تجربتى الخاصة فى تأثير الموسيقى على المرضى
أتذكر أحد الأشخاص كان يعمل معى فى نفس المكان واحتاج لجراحة صغيرة
كان ما شاء الله موفور الصحة سليم البدن عامة ضخم البنية ولم يكن به إلا شيئان
الأول تلك البقعة الصغيرة التى احتاجت لإجراء جراحى
الثانى خوفه وقلقه الشديد من فكرة إجراء جراحة فى جسمه مهما كانت صغيرة
بالطبع لا يمكن المجازفة باستخدام التخدير الكلى فى هذه الحالة لصغر الجراحة المطلوبة والتى لا تستلزم إلا تخديرا موضعيا
لم يطق صاحبنا حتى فكرة التخدير الموضعى .. تصيبه الهواجس وتزداد مخاوفه ويتهرب كل مرة من موعد الجراحة
ذات يوم سألته إن كان بإمكانه الحضور لإعادة الفحص ، فقد مر زمن على الفحص الأول ، فلم يمانع
أثناء الفحص كان يستمع إلى موسيقى هادئة على آلة البيانو يعزفها أحد العلزفين العالميين ، العزف فى منتهى الرقة والنغمات فى غاية الجمال ، المكان هادىء الموسيقى تأتى من سماعة صغيرة والصوت خافت خافت لا يكاد يشد الانتباه
أخذت أتحدث إليه فى هدوء وهو جالس أمامى ، وجدته قد استرخى قليلا ، وبعد أن كان يبادلنى الكلمات أصبح يستمع فقط ، انتهزت الفرصة فأفهمته أنى سأحاول تخدير تلك البقعة بواسطة سائل مخدر فقط وإزالتها بدون ألم على الإطلاق ، فإن شعر بشيء غير عادى عليه الإشارة بيده فقط ، سمع الكلام ، إلى أن توقفت أنا أيضا عن الكلام ، الفحص دقيق ورقيق ، والمخدر الموضعى ينساب من إبرة ناعمة لم تزعجه ، تخدر الموضع ، وبدأت العمل ,, الموسيقى ما زالت تنساب ، إنها تهدئ أعصابى أنا الآخر
اطمأن الرجل تماما ، لقد أغمض عينيه ولم يعد يستبد به القلق .. حاولت أن أكون سريعا جدا حتى أتمكن من إنجاز المهمة قبل أن يعود إلى قلقه .. بعد لحظات سمعت صوته ، إنه لا يتكلم ، لقد دخل فى نوبة شخير! نام الرجل..! جميل .. فرصة عظيمة .. انتهت الجراحة فى دقائق .. وكان على أن أوقظه !
ناديته بصوت خفيض ..يا فلان .. ألا تريد أن تذهب ؟ .. يفيق متسائلا .. نعم .. هه .. نعم .. أريد أن أذهب . متى يجب أن أعود؟ .. أجبته .. خلاص .. لا داعى لموعد جديد .. يرد .. لماذا ؟ أعدك بأنى سوف أكون مستعدا لإجراء العملية فى المرة القادمة .. فقط اعطنى موعدا جديدا وسأفى بوعدى ..
المرضة تبتسم وتنظر إليه وتكتم ضحكة التقطها الرجل .. ماذا ؟ ترد الممرض فى ثبات ،، لقد انتهت العملية ..
ها هى البقعة المستأصلة فى يدى . يندهش من الإجابة .. كيف ؟ ترد الممرضة .. تود أن تراها .. هاهى ..
يرفع الرجل يده إلى وجهه يريد أن يتفقد موضع البقعة .. لكنه يجد مكانها شريطا من الضماد..
بادرته بالسؤال .. ألم تشعر بشيء ..؟ قال .. لا .. لم أشعر بشيء .. متى وكيف تم ذلك ؟
أجبته .. تم وانتهى .. مبروك نجاح العملية .. إذا كنت تريد العودة إلى هنا فللسلام فقط ؟؟ مع ألف سلامة
مش معقول .. مش ممكن . شكرا .. شكرا .. .. مع ألف سلامة
الطريف أن ذلك الرجل لا يعرف حتى الآن أنه قد تم تخديره بالموسيقى ، ورغم أنى كنت أعلم أنه تحت تأثيرها تماما ، لم أشأ أن أخبره بذلك .. لماذا .. لأن تأثير الموسيقى تلقائى ولحظى ،وربما يفشل إن أريد لها أن تعمل وسط أناس يعلمون باستخدامها مسبقا لغرض ما .. لذلك لم أخبره ، فربما احتاج إليها مرة أخرى !
لم تكن تلك المرة الأولى التى لاحظت فيها تأثير الموسيقى على النفس والأعصاب القلقة مع المرضى ، فقد حدث ذلك فى مناسبات كثيرة .. ربما تجئ فرصة أخرى للحديث عنها
فإلى لقاء
.