لا عزاء للملحنين!
الأغنية أصبحت سينما ، فيديو كليب ، كليب يعنى مقطع ، والفيديو هو البديل المصغر للسينما كما هو معروف
نحن إذاَ أمام ظاهرة بصرية ، أغانى عبارة عن مقاطع سينمائية .. ماشى ..
نعم كانت هناك أغانى مصورة أيام زمان ، ورأينا عبد الوهاب وأم كلثوم فى أفلام غنائية وكثيرين غيرهم ، فما الفرق؟
الفرق أن الأغانى القديمة مازالت ملء السمع والفؤاد ، رغم أنها لم تعد ملء البصر ، اندثرت الأفلام ولم يتبق منها إلا القليل ، وحتى هذا القليل لا يذاع إلا ربما كل سنة مرة على رأى سيد درويش ، وبمناسبة سيد درويش ، كلنا يعرفه ويعرف ألحانه وشهرتها على كل لسان ، ومن منا لا يعرف هذه الأغنية بالذات؟! اقتصرت أعماله على المسرح ولم يدخل ميدان السينما ، وليته فعل ، فلذلك لم تسجل معظم أعماله ، ورغم هذا ما زالت موجودة وبقوة
والأغانى الحديثة ملء البصر ، لكنها لا تجتذب السمع ولا الفؤاد ، تذاع كل ساعة ولا يتذكر منها إنسان أى شيء
هناك استثناءات جيدة بالطبع ، لكنها نقطة فى محيط
المشكلة ليست فى إضافة الصورة إلى الأغنية فالمطلوب من المبدعين الاستمرار فى الإبداع مهما تعددت الإضافات ، وبصراحة الملاحظ أن مخرجى ومصورى الفيديو كليب أجادوا فى إضافاتهم لدرجة سيطرة الصورة على كل العمل ، هذا ليس عيبا ولا منتقدا ، هم عملوا فأجادوا ولاقوا النجاح كفكرة وأسلوب ، وأصبح لهم أسواق وأثمان ، بل تفوق الجيل الجديد على القديم بكثير ، اين أغانى الأفلام المصورة القديمة مما نراه الآن ، اختفت مناظر الغناء الثابت التقليدية وحل محلها دراما مصورة قد يضحى فيها المخرج أحيانا بصورة المطرب نفسه الذى قد لا يظهر إطلاقا فى بعض الكليبات ، وهو يفعل ذلك لخدمة الدراما التى يتخيلها ، وقد يرى أن ظهور المطرب قد بفسد الموضوع ويخرب عمله ، ويكفى أنه تركه يغنى طوال الوقت! وعلى الملحن أن ينافسه إذا استطاع ..
هذا التطور إضافة فنية تنطوى على استخدام أفكار جديدة وأساليب مبتكرة تحرك الراكد وتنشط الإحساس ، ونجاح الصورة فى السيطرة على العمل وراءه جهد كبير وتصميم على الإبداع ، كانت نتيجته أن قفز اسم المخرج إلى قمة قائمة التيتر بدلا من المطرب والملحن .. أليس ذلك صحيحا ؟!
نعم بعض المخرجين أفرطوا فى استخدام التنشيط والتحريك واستخدام الأدوات السينمائية التجارية التقليدية لجدب المشاهد لكن هذا العيب قابل للنقد وللتهذيب على أى حال بمختلف الوسائل
نعود إلى الأغانى ، لابد من نقطة إنصاف ، الموزعون الموسيقيون الجدد هم نقطة إبداع جديدة ولا شك ، وإضافة تحسب للموسيقى والموسيقيين ، ونحن نسمع الآن التوزيع الموسيقى فى أعمال كثيرة ، لكن يبقى أن الموزع يعمل فى إطار اللحن الأساسى فإن ضعف اللحن لا يستطيع أن ينقذه الموزع مهما فعل ، و.. ماذا أقول ! هناك ألحان كثيرة موزعة ولكن .. خسارة فيها التوزيع!
العازفون أيضا تحسن أداؤهم وكثر عددهم ، ويبدو أن سوق العازفين ما زال أسهل فى جنى الثمار عن سوق الملحنين
لكن كيف أصبح مطربونا الرجال أنصاف رجال لا تسمع منهم إلا نغمات الضعف والهوان بل والتخنث ، ترى المطرب طويل عريض يتمتع بصحة كما الأسد ، وتسمع صوته حين يغنى كأنه طفل يبكى أو شحاذ يتسول أو شاذ لا يخجل
وكيف أصبحت مطرباتنا يعرض أنفسهن كبائعات الهوى ليل نهار على شاشات الفضائيات! أنصاف عاريات أنصاف راقصات
أما الموسيقى والألحان .. ما هذا .. ؟! خلاص؟! انقرضت السلالم والمقامات؟! الأغانى كلها من نغمة واحدة؟!
ما ذنب مقام الكورد الجميل حتى ينهال عليه الملحنون بهذا الكم من الألحان المكررة حتى أصابونا بالملل؟
لم يخرج عن هذا المقام إلا الأغانى الشعبية ، وحتى هذه حصرت نفسها فى مقام الراست هى الأخرى! مع مآخذها غير الموسيقية بالطبع لم تعد شعبية بالمعنى الصحيح وانما أقرب إلى السوقية
ولماذا هذه الكآبة السائدة فى الأغانى؟ الناس تريد أن تفرح بالموسيقى لا أن تكتئب ، أقول كآبة وليس حزنا فالحزن شعور إنسانى لا يخلو من الجمال
هل هى حالة إفلاس موسيقى؟!
لا نريد أن نتحسر على أيام زمان المحترمة ، نريد جديدا محترما أيضا كما قدمت أجيال سابقة جديدا محترما فى حينه
بعض الناس يقول الصورة هى السبب ، لكن لا يبدو ذلك صحيحا مع الضعف الموسيقى الشديد ، الصورة تضيف ولا تنتقص من العمل ، صورة خارجة تزال ، نتفادى تكرارها ، يأباها الجمهور ، كل هذا وارد ، لكن لا عزاء للملحنين
د. أسامة عفيفى
.